ها قد مضى رمضان، وهاهي المساجد تعج بالمصلين، وها هي ساحات البيت العتيق تمتلئ بالعمار وكأنه الحج الأكبر.. وهاهو المسجد النبوي لا موضع فيه لقدم، ولكن الإيمان لا يزيد من خلال عبادة ما إلا بحضور القلب وتفاعله وتحركه أثناء أداء تلك العبادة، ذلك الإيمان الذي يزيد في القلب هو الذي يغير صاحبه، وبالتالي فمن يقرأ القرآن قراءة حنجرية فقط دون أن يستشعره بقلبه أنى يؤثر القرآن فيه؟ وأنى يزداد إيمانه بالتلاوة؟ وبالتالي أنى له أن يتغير؟ وأستسمحكم في ضرب ذلك المثال الواقعي فهو قريب الشبه بحالنا في رمضان؛ إنه كحال تلك الفنانة التي تذهب كل عام لأداء الحج، ثم تعود لتمارس عملها بكل "أريحية"، وكأن شيئاً لم يحدث .
هل غيرها الحج؟ لو غيرها لتركت ذلك الطريق الأعوج.. لماذا لم يغيرها؟ هل العيب في الحج؟ حاشاه طبعاً، إذاً فأين الخلل؟ الخلل يكمن في أن الحج قد تم أداؤه بصورة شكلية بحتة وبهدف محو الذنوب والخطايا ليس إلا، ولكن لننظر على الجانب الآخر لنرى بعض الفنانات التائبات حين تحكي قصة توبتها تقول: إنها حجت واعتمرت أكثر من مرة ولكن ثمة عمرة أو حجة كان لها شأن آخر، تلك هي التي تحرك فيها القلب وسالت فيها العبرات وانطلقت فيها الزفرات، تلك الحجة التي تفاعل فيها القلب فازداد منسوب الإيمان فيه، مما دفعها لتغيير مسار حياتها تغييراً جذرياً يذهل الناس ويدهشهم، لا عجب فسببه الإيمان الذي يفعل الأعاجيب.
إذن اتفقنا على أن مقياس العبادة الصحيحة هو الإيمان المتولد عن أدائها، أي أن المفترض في رمضان أن يزيد منسوب الإيمان القادر بإذن الله على التغيير الجذري للأمة.